بدون أن توضح الجهات الفلسطينية المسؤولة، (سواء في الضفة الغربية حيث مركز حكم السلطة الفلسطينية، أو في قطاع غزة، مركز حكم حركة حماس)، يجري في هذا الوقت الترويج رسميا لإتاحة “مطار رامون” في صحراء النقب، لسفر سكان غزة، على غرار رحلات نظمت سابقا لسكان الضفة، وسط استغراب شعبي من الموضوع، ورفض بعض الفصائل التي اعتبرت أن الأمر يأتي في سباق خطة إسرائيلية لعزل الشعب الفلسطيني عن عمقه وامتداده العربي.
سفر مباشر بدون مصر والأردن
ويدور الحديث أن الأمر مرده إلى قرار إسرائيلي، اتخذ مؤخرا، يتيح سفر سكان غزة عبر هذه المطار، بعد حصولهم على التصاريح اللازمة، التي تتيح لهم العبور من حاجز بيت حانون “إيرز”، للانتقال بعده إلى المطار، ومن هناك استقلال رحلات جوية إلى مدينة اسطنبول التركية، والتي إما أن تكون وجهة المسافرين، أو أن تكون محطة لهم للسفر منها إلى وجهات أخرى.
وبما يؤكد ذلك، بدأت مكاتب سفر في غزة الترويج لهذه الرحلات، من خلال إعلانات نشرتها على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعلنت إحدى الشركات، بناءً على قرار الجانب الإسرائيلي بالسماح لسفر سكان قطاع غزة عبر “مطار رامون”، عن بدء الرحلات كل يوم أربعاء ابتداءً من الخامس من شهر يوليو القادم، حيث ستتوجه الرحلة من ذلك المطار الإسرائيلي إلى مطار أنطاليا في تركيا.
وقد حددت شركة السفر هذه شروطا للمسافرين، حيث يلزم أن يفوق عمر المسافرين من الرجال والنساء سن الـ 35 عاما، مع السماح بسفر العائلات دون هذا السن، لمن يرافقهم الأطفال.
وذكرت أن موعد السفر الذي سيكون يوم الأربعاء، سيتضمن الانتقالات من “معبر إيرز” إلى مطار رامون والعكس مع حجز تذاكر الطيران ذهابا وإيابا وإصدار التصريح، وقد حدد تكلفة الفرد في الرحلة بـ 600 دولار أمريكي.
ووفق المعلومات المتوفرة، فإن شركات سياحية وسفر من الضفة الغربية، تواصلت مؤخرا مع أخرى في قطاع غزة، للتنسيق معها بشأن تسيير رحلات السفر هذه، خاصة وأن الشركات في الضفة، سبق وأن خاضت هذه التجربة من قبل، ونظمت رحلات سفر سياحية لمواطنين فلسطينيين، إلى تركيا عبر المطار الإسرائيلي.
وهذه العملية، ستكون بديلة عن سفر سكان غزة المعتاد، أولا عبر البوابة المصرية الأسهل، والتي تتطلب من المسافرين التسجيل أولا لدى وزارة الداخلية في غزة، لتنسق لهم مواعيد السفر، وترتيب أسماء المسافرين في كشوفات، كل حسب تصنيفه، من مرضى وطلاب وأصحاب إقامات وأخرى ذات حاجات خاصة، والتي يضطر المسافر إلى انتظار دوره الذي قد يصل لشهر أو أكثر في أوقات الصيف، للسفر في رحلة شاقة طولها نحو 500 كيلو متر، لكنها تحتاج لـ 24 ساعة بسبب ترتيبات السفر، يقطع فيها صحراء سيناء قبل الوصول إلى القاهرة، ومن هناك إما يتجه إلى دول أخرى، إن كان يرغب في السفر خارج مصر.
أما الطريقة الثانية أمام سكان غزة القاصدين للسفر للخارج، فتكون من خلال التسجيل لدى هيئة الشؤون المدنية، لإرسال الأسماء في كشوفات للجانب الإسرائيلي، الذي يصدر تصاريح خاصة لسفر هؤلاء بعد اجتياز حاجز “إيرز” إلى معبر الكرامة الفاصل عن الأردن، ومن هناك ينتقلون إلى أراضي المملكة، ومنها إلى وجهتهم الثانية، وهذه العملية تتطلب أولا أن يحصل المتقدم على موافقة أمنية إسرائيلية، وأن يكون بحوزته إقامة سارية المفعول للدول التي يريد التوجه إليها.
لا توضيحات من المسؤولين
وإن كانت الطريقة الثالثة التي وافق عليها الجانب الإسرائيلي، للتطبيق خلال الأيام القليلة القادمة، أسهل في سفر الغزيين للخارج، من حيث الوقت والجهد وربما المال، فإن هناك تحذيرات من أن تستغل سياسيا، وتكرس من سياسة الحصار المفروض على غزة، خاصة وأن الفلسطينيين رفضوا مقترحا سابقا يقوم على تخصيص مطار لغزة في النقب، من دون أن تكون سيطرة فلسطينية عليه، كما أن المقترح هذا يريد الاحتلال من ورائه إلغاء الحق الفلسطيني في إقامة مطار خاص بهم، أو إعادة بناء مطار غزة الذي دمرته إسرائيل في بدايات “انتفاضة الأقصى” التي انطلقت عام 2000.
ورغم الترويج الواضح لهذا المطار، إلا أن الجهات المسؤولية في الضفة الغربية، وهي الجهة التي تنسق مع الجانب الإسرائيلي، لإصدار تصاريح المسافرين عبر حاجز “إيرز”، وكذلك الجهات المسؤولة في غزة التي تديرها حركة حماس، لم تعلق على هذا القرار.
وقد لاقت الخطوة استغرابا كبيرا من المعلقين الغزيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكثير منهم تساءل باستهجان بشأن إن كانت هذه الخطوة حقيقية أم لا، وآخرون طلبوا توضيحا في تدويناتهم من الجهات المسؤولة، فيما قام آخرون بإعادة نشر إعلانات شركات السفر التي تروج لتلك الرحلات، وكأن الأمر غريب أو مستبعد.
كما أبدى معلقون مخاوفهم من أن يكون الأمر مرده خطة إسرائيلية، هدفها خلق “مطار بديل” للفلسطينيين، ضمن خطة تلغي حق الفلسطينيين في إعادة بناء مطارهم الخاص.
رفض فصائلي
وأكدت الجبهةُ الشعبيّةُ لتحرير فلسطين، أن عودة الحديث عن مخططات الاحتلال، لتشغيل مطار “رامون” لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة “سيفشلها شعبنا الفلسطيني، الذي يعي تمامًا مخاطرَ هذه الخطوة الصهيونية”، لافتة إلى أن الهدف من ورائها “عزله عن عمقه وامتداده العربي”.
ودعت الفلسطينيين إلى رفض السفر عبر مطار “رامون”، باعتباره “تكريسا لوقائع يفرضها الاحتلال ضمن مخططات الضم والإلحاق والتبعية، عدا عن توفير دعمٍ للاقتصاد الصهيوني، وتأكيدًا على سياسة الفصل العنصري التي يمارسها العدوّ ضدّ شعبنا”.
وطالبت الجبهةُ السلطةَ الفلسطينيّةَ واللجنةَ الإدارية في قطاع غزة، إلى اتّخاذ الإجراءات اللازمة، “التي تُفشل مخططات العدو بسفر المواطنين الفلسطينيين عبر مطار رامون، ومنعه من استغلال حاجة المواطنين إلى السفر”، كما دعت إلى بذل جهودٍ مع المسؤولين في مصر والأردن من أجل تخفيف معاناتهم في السفر عبر معبري رفح والكرامة.
وفي هذا السياق أيضا، حذرت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، من خطورة التعامل مع المخطط الإسرائيلي لتشغيل مطار “رامون”، وقالت إن دولة الاحتلال نتاج التفاهمات الأمنية ومقاربات “تقليص الصراع” و”الحل الاقتصادي” تقدم تسهيلات اقتصادية ومعيشية استعاضة عن الحل السياسي مقابل الحفاظ على أمنها.
وقالت الجبهة “إن تنكر رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس، يؤكد أن دولة الاحتلال ماضية في عدوانها على شعبنا من جهة، وتتجه من جهة أخرى إلى حسم المعركة ضد شعبنا بالإعلان عن ضم الأرض الفلسطينية وتوسيع المستوطنات وبناء مستوطنات جديدة تلتهم الأرض وتشرد شعبنا وتهدم منازله لإقامة “إسرائيل الكبرى”.
ودعت الجبهة إلى قراءة إجراءات وتصريحات حكومة الاحتلال جيدا، من خلال البناء على قرارات المجلسين الوطني والمركزي لوقف العمل بالمرحلة الانتقالية لـ “اتفاق أوسلو”، والتحرر من قيودها.
وشددت على ضرورة رسم إستراتيجية نضالية لتطوير المقاومة بكل أشكالها وتزخيمها وحمايتها سياسياً وأمنياً، وتسليح الشعب، وبسط السيادة الوطنية لشعبنا على كامل أراضي الدولة الفلسطينية، على حدود يونيو 67، وعاصمتها القدس، عملاً بقرار الأمم المتحدة، الذي اعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة، عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، مقدمة لنيل العضوية العاملة، وعلى حدود 67 بما فيها القدس، باعتبارها أرضاً محتلة من قبل إسرائيل.