توفر العلاقات الأسرية القوية الراحة والطمأنينة والقوة والسند، ويمكن للفرد الاعتماد عليها في أوقات الشدة، كما أنها توفر إحساسًا بالانتماء والحب غير المشروط الذي لا يمكن أن يجده الإنسان في أي مكان آخر.
العائلة هي عماد أي مجتمع، وهي الأساس الثابت والمتين الذي تبنى عليه الأمم والحضارات؛ فالأسرة هي حجر الزاوية، وقد جعل مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون للأسرة دورا محوريا في بناء الدولة، فهي من وجهة نظره الأساس الذي تبنى عليه العصبية، والعصبية بمعناها الواسع هي أساس الدولة.
أما الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون فأكد أهمية الأسرة بقوله "إن الأسرة هي حجر الزاوية في مجتمعنا، وعندما تنهار الأسرة فإن المجتمع نفسه يصاب بالشلل، وما لم نعمل على تقوية الأسرة فإن البقية من بناء مدارس وملاعب ومساعدات عامة لن تكون كافية أبدا".
فوائد العلاقات الأسرية القوية
للعلاقات الأسرية القوية العديد من الفوائد، حسب ما ذكرته منصة "فري ويل مايند" (verywellmind)، ومن أبرزها:
مساعدة الأفراد على التعامل مع ضغوط الحياة.
زيادة الثقة في النفس واحترام الذات.
تحقيق الرفاهية لكافة أفرادها.
تشجيع الأفراد على الانخراط في أنشطة وسلوكيات صحية واجتماعية مفيدة.
تقديم الدعم الاجتماعي.
بناء أساس متين لعلاقات صحية قائمة على الثقة في الآخرين.
توفير الشعور بالأمان والدفء والحب.
بناء شخصية أفراد الأسرة بشكل سليم.
تنمية القيم الإيجابية، مثل التضامن والمشاركة ومحاربة القيم السلبية كالأنانية وحب الذات.
وعلى العكس من ذلك، فإن النشأة في ظل أسرة مضطربة ومفككة يؤدي إلى الاستنزاف العاطفي، ويسبب الكثير من الضرر والأذى لكافة أفراد الأسرة، لاسيما الأطفال الذين ينشؤون في جو سام وبيئة غير صحية؛ مما يؤدي إلى اضطرابات تكون لها آثار بعيدة المدى، وتتسبب في النهاية في تفسخ وتحلل المجتمع.
سمات الأسرة السليمة
نستعرض لكم في هذا التقرير 6 خصائص أو سمات تتصف بها الأسرة السليمة، حسب ما ذكره عدد من المنصات والمواقع المتخصصة مثل "سايكولوجي تودي" (psychology today) و"فري ويل مايند" (verywellmind) و"هيليث فولي" (healthfully) و"بال" (pal.ua.edu) وغيرها.
1- الاحترام المتبادل بين كافة أفراد الأسرة
يشمل هذا احترام الحدود ومراعاة خصوصية كل فرد من أفراد العائلة، بمن فيهم الأطفال الذين يتم احترام خصوصيتهم، وتشجيعهم على بناء شخصيات مستقلة خاصة بهم.
وفي العائلات السليمة يقوم الأب والأم بتقديم نموذج صحي من الأفعال والتصرفات التي يحتذى بها أمام الأطفال؛ مثل ضبط النفس وحسن التصرف في مواجهة ضغوط وتحديات الحياة، حيث يراقب الأطفال بانتباه شديد طريقة تصرف الأب والأم في مختلف الحالات ويتعلمون منها.
2- عدم التسلط وفرض الآراء
في الأسرة السليمة يسمح لجميع أفراد العائلة بإبداء آرائهم تجاه مختلف القضايا، ويجب على كافة أفراد العائلة تقدير هذه الآراء والسماح بالتعبير عنها ما دامت محترمة، حتى لو اتخذ الكبار القرار النهائي ولم يأخذوا برأي الأبناء، ولكن قبل ذلك يتم التعامل مع وجهات نظرهم باحترام وتقدير وإجراء النقاش اللازم حولها قبل اتخاذ القرار النهائي.
في العائلات التي لا يوجد فيها مجال كبير لاختلاف الآراء حيث يقوم الأب أو الأم بفرض الرأي فمن الشائع أن يكبر الأطفال من دون معرفة هويتهم الخاصة، وذلك لأنه عندما يتم تعليمك دائما كيف وبماذا تفكر، من دون اعتبار لوجهة نظرك، فمن الطبيعي ألا تعرف كيف تتصرف بشكل سليم عندما تكبر.
3- العائلة أولا
في الأسر السليمة يصبح شعار "العائلة أولا" أسلوب حياة، حيث يعتبر أفراد الأسرة أن عائلتهم تأتي في المقام الأول، ولهذا لا يتصرفون بطريقة تؤذي العائلة أو تضر سمعتها أو أي فرد منها، حتى لو تعارض هذا مع مصالحهم الفردية في بعض الأحيان.
كما يعرف كل شخص في الأسرة أن بإمكانه الاعتماد على أفراد عائلته في المُلمّات، وأنهم موجودون بجوار بعضهم في أوقات الأزمات؛ لذلك لا يشعر الأعضاء بأنهم وحدهم في الحياة، فهناك دائما جدار صلب يعتمدون على دعمه ومؤازرته اسمه العائلة.
4- قضاء وقت ممتع معا
من سمات الأسر الصحية أنها تقضي الوقت في القيام بأنشطة اجتماعية ممتعة معا. وتصبح غالبا هذه الأنشطة تقاليد عائلية راسخة، مثل مشاركة الوجبات، أو قضاء نزهات عائلية في نهاية كل أسبوع، أو ممارسة الرياضة مع بعضهم؛ وتقوي هذه الأنشطة العلاقات والمشاعر الصحية بين كافة أفراد العائلة، وتنشئ روابط متينة تجمعهم معا.
5- التقدير والامتنان
يسهم الأفراد في خدمة العائلة بطرق مختلفة، ومن المهم أن يعبر أفرادها لبعضهم البعض عن تقديرهم وامتنانهم لهذه الجهود التي قام بها أحدهم، وقد لا يتطلب الأمر سوى كلمات بسيطة أو إيماءة ذات مغزى، مثل قول: شكرا لك على غسل الأطباق أو إعداد هذه الوجبة الشهية.
مثل هذه التصرفات البسيطة تساعد على تنمية الاحترام والمحبة والتقدير، وتعمل على تعميق الروابط بين أفراد العائلة.
6- الشعور بالأمان
كل البشر يرتكبون الأخطاء، وقد يخطئ أحد أفراد الأسرة، ولكن في ظل الأسر السليمة فإن جميع الأفراد يعيشون بأمن وأمان، ويسمح للأطفال في أثناء مرحلة التعلم والنمو بارتكاب الأخطاء، وهم يعرفون أنه لن يتم تهديد وجودهم أو أمنهم وسلامتهم بسبب هذه الأخطاء.
وينطبق الشيء نفسه على الكبار من أفراد الأسرة عندما يخطئون، فلا يتم عقابهم بشكل قاس أو نبذهم والتخلي عنهم؛ فالعائلات السليمة تغفر وتسامح.
الإسلام يبني الأسرة على أساس الإحسان والمودة
وقال الباحث الدكتور محمد أبو نمر طبيب الأمراض النفسية والعقلية في وزارة الصحة الأردنية والمهتم بشؤون الأسرة "اهتم ديننا الحنيف بالأسرة اهتماما كبيرا فجعل المودة والاحترام والإحسان أساسا متينا تقوم عليه العائلة المسلمة، فعلى الوالدين العناية بالأطفال والاهتمام بهم والرحمة والعطف عليهم، وتعليمهم أمور الدين والاعتقاد والعمل على تنشئتهم على المبادئ والقيم الإسلامية، وعلى الأطفال توقير والديهم، وتقديرهم حق قدرهم".
وزاد أبو نمر في حديثه للجزيرة نت "يؤكد رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- على هذه النقطة بقوله في الحديث الشريف "كلّكم راع ومسؤول عن رعيّته.. والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيّته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيّتها". (أخرجه البخاري)، وقوله -صلى الله عليه وسلم- "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". (أخرجه الترمذي)".
وأضاف أبو نمر "إن الإسلام يبني علاقات الأسرة على أساس متين من الإحسان والمحبة والمودة المتبادلة بين الزوج والزوجة والأولاد. كما يرسم القرآن الكريم بعضا من هذه العلاقة في قوله تعالى "وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانا إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما" (الإسراء: 23). وقوله تعالى "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها…" (الأعراف: 189). وأناط الإسلام بكل فرد من الأسرة مسؤولية وواجبات وأعطاه حقوقا ومتطلبات فكانت العلاقة واضحة وراسخة، والنتيجة هي تماسك الأسرة الإسلامية وقوتها ومكانتها في المجتمع ودورها في البناء والعطاء".
الأسرة.. أسس وضوابط
من جهته، قال الباحث الشرعي بدار الإفتاء المصرية الدكتور عمر عبد العزيز "إن للأسرة في الإسلام شأنا عظيما؛ لأنها الخلية الأساسية في المجتمع وأهم جماعاته الأولية، قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (النساء: 1)؛ ولذلك فهي الأساس الذي بقدر ما يكون راسخًا متينًا، يكون صرح المجتمع وبناؤه شامخًا منيعًا، ومن ثمَّ كانت عناية الإسلام بالأسرة عناية بالغة".
وأضاف الباحث الشرعي في حديثه للجزيرة نت أن "الأسرة ليست مجرد إطار عادي يتصرف فيه كل فردٍ بمحض حريته وإرادته، وإنما هي إطار تحكمه ضوابط وتحيطه أحكام الشرع التي تُرتِّب على الزوجين وظائف ومهام مقدسة تجاه بعضهما أو تجاه أبنائهما، بل كل مَن حولهما. وحتى تؤدي الأسرة وظائفها المنوطة بها كما ينبغي لا بد أن تقوم على دعائم قوية وأسس ثابتة، بحيث إذا غابت تلك الدعائم صارت كيانًا ضعيفًا قابلًا للكسر أو النقض في أي وقت. وهذه الدعائم والأسس تتمثل في أحكام الشرع التي شملت الأسرة في كل مراحلها وأحوالها".
وبين أن من أهم ما حض عليه الشرع سيادة السكن والمودة والرحمة كأساس للعلاقة بين الزوج والزوجة اللذين هما البذرة الأولى في تكوين الأسرة في الإسلام، فقال عز من قائل ﴿ومن آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21).
وهذه الثلاثة إما أن تفهم على سبيل الاجتماع في جميع مراحل الحياة، أو أن تختص كل واحدة منها بمرحلة من مراحل الحياة التي تبدأ بالسكن وتستمر على المودة وتختم بالرحمة.