فاطمة الزهراء - منذ أشهر الحمل الأولى تتشكل العلاقة بين الطفل ووالدته، ويبدأ دور التربية في تكوين شخصية الطفل وسلوكياته، وقد اهتم عدد كبير من الباحثين بدراسة تعليم الجنين في الرحم، ففي إحدى الدراسات التي أجريت على مجموعة من النساء الحوامل، أسمعوا الأجنة القرآن الكريم، كانت النتيجة بعد ثلاثة سنوات أن كانت لدى الأطفال قدرة كبيرة على الحفظ.
قد تبدو رحلة تربية الأبناء لدى الكثيرين شاقة تطوي في جنباتها عبءًا كبيرًا، ولكنّها رحلة لغرس قيم ومبادئ وأخلاق ومعاملات في أرض خصبة يانعة تستقبل ما غُرِس فيها.
*المجتمع المحيط وأثره في التربية*
يلعب المجتمع دورًا كبيرًا في تربية النشء، فالطفل في بداية عمره يدرك ويلاحظ ويتعلم من بيئته المحيطة ومجتمعه الأول ألا وهو الأسرة.
تؤثر العلاقة الأسرية الجيدة بين الوالدين على تربية الطفل وانفعلاته وسلوكياته، وقد يغيب ذلك الأمر عن كثير من الأهل في تربية أطفالهم، فدوام الخلافات أمام الطفل وعدم الاحترام، يعزز لديه سلوك العنف والتمرد، كما يؤثر سوء المعاملة على الجانب النفسي للطفل.
وللوالدين الدور الأول في تنمية الجانب الفكري والقيمي، وتأسيس ردود الفعل وتقويم التصرفات، في مختلف المواقف والأحداث التي يقابلها الطفل في بداية حياته، وهو أمر يقع على الوالدين الحرص فيه، خلال السنوات الأولى.
يقال "العلم في الصغر كالنقش على الحجر" وذلك إن كان مثلًا شعبيًا نتداوله في حياتنا اليومية فهو حال المجتمعات في التربية والتعليم، فما شبّ عليه المرء يشيب عليه.
*ما بعد الأسرة*
لا ينتهي دور الأسرة في التربية والتوجيه عند التحاق الطفل بالمدرسة، ولا يقتصر الدور على المدرسة دون غيرها، فالطفل في هذه المرحلة تكبر دائرة معارفه وتتسع علاقاته وأحداث حياته، ويحتاج إلى الإرشاد والتوعية وتصحيح الأفعال ليتمثل ذلك في تصرفاته داخل البيت وخارجه.
تواجه الأطفال في مجتمعهم الجديد كثير من المشاكل، التي قد لا يعرف كيف يتعامل معها أو يكوِّنُ ردود فعل تجاهها، ما قد يحدث تأثيرات سلبية على شخصيته، ويكون حلُّها باستماع الأم لطفلها وسؤاله عن ما جرى معه خلال يومه المدرسي، وتقديم النصائح له.
وفي سياق متصل قالت أخصائية النطق واللغة، رشا بدوي إن من أفضل الطرق التي قد يتبعها الوالدان لتربية أبنائهم وتعليمهم هي تقديم ذلك عن طريق وسائل أو أمور يفضلونها ويحبونها، فذلك يكون من أيسر الطرق وأسلسها لغرس القيم والتصرفات الصحيحة.
فالمتعة أثناء التعليم والتربية هو ما يحفز الأبناء ويعطيهم القبول، وأن الضغط والأسلوب القاسي يجعل الطفل ينفر مما يُملى عليه ويجعله يشعر بعدم الارتباح وأنه مُقيّد ولا يتّبع ذلك إلا امتثالًا لأمر الوالدين في تلك اللحظة.
*الإنسان ابن بيئته*
تسهم الثقافة المجتمعية والعادات السائدة في المجتمع بشكل أو بآخر بتسريب بعض الأفكار والمعتقدات وحتى الأفعال التي تدخل في تكوين الفرد وتنعكس على تصرفاته، وذلك إن تُرِك دون ضوابط سيجعل الفرد ينجر مع ما تمليه عليه طبيعة مجتمعه وإن كان لا يتناسب مع دينه وقيمه وعاداته.
يقول أحد المغتربين، أحمد عوض إنه يعاني الكثير من الصعوبات في تربية أبنائه في الغربة وذلك لاختلاف عادات المجتمع ومعتقداته وأفكاره، ويحاول دومًا الحفاظ على أفكاره أطفاله ودينهم مما يواجهونه خارج المنزل وفي المدرسة، ويبذل جهدًا كبيرًا في محاولات توعيتهم بالتصرفات غير المقبولة بالنسبة لهم كي لا ينجرفوا مع محيطهم الذي يعايشون فيه الكثير من التحديات.
من جانبه عبّر عبد الحميد سعيد أن تربية الأبناء في البلاد الأجنبية يحتاج جهدًا مضاعفًا كي يبقى الأطفال بعيدين عن الأفكار الدخيلة على مجتمعنا وكي لا يتأثروا بالأفكار والقيم الغربية التي لا تناسب ديننا ومبادئنا، وهذا يلزم الآباء والأمهات الحذر الدائم فيما يواجهونه.