تتواصل ردود الفعل محليا وخارجيا على عملية هدم مساجد بإقليم أوروميا الإثيوبي مطلع الأسبوع الماضي، حيث شهدت العاصمة أديس أبابا احتجاجات نظمتها بعض المساجد، كما ظهرت حملات تضامن إعلامية اعتبرتها أوساط رسمية وشعبية بالبلاد "حملات مغرضة تقف خلفها جهات خارجية".
وأمس الجمعة، قتل 3 أشخاص وأصيب آخرون، في احتجاجات بعد صلاة الجمعة قرب مسجد الأنوار، وقالت قوات الأمن في بيان "مجموعات متآمرة تريد تدمير النظام عبر رفع راية دينية.. تسببت بشغب عبر مهاجمة قوات الأمن".
والأسبوع الماضي، أدت مواجهات مماثلة لدى الخروج من مسجد الأنوار الواقع قرب سوق ميركاتو وسط العاصمة إلى مقتل شخصين، وفق الشرطة التي أشارت أيضا إلى سقوط 56 جريحا -بينهم 52 شرطيا- واعتقال 114 شخصا.
وقد استنكر الداعية الإسلامي الإثيوبي أبو بكر أحمد قيام قوات الأمن باستهداف المتظاهرين، وقال عبر فيسبوك "إطلاق النار بلا رحمة على المسلمين الأبرياء عمل غير إنساني". وأضاف "يجب أن يتم فتح الطرق لسيارات الإسعاف حتى يمكن نقل إخواننا الذين احتموا بالمسجد والذين أصيبوا بالرصاص بلا رحمة إلى المركز الطبي على الفور".
خلفيات الأزمة
والعام الماضي، أطلقت إثيوبيا مشروع "شيغر سيتي" بإقليم أوروميا، حيث يتضمن المشروع دمج 6 بلدات تحيط بالعاصمة، وذلك لإنشاء مدينة حديثة، وشرعت السلطات في حملات إزالة لمئات المباني والمنازل ودور العبادة، بدعوى أنها غير قانونية، مما ترتب عليه احتجاجات ورفض في أديس أبابا وضواحيها.
وتُوجه انتقادات للسلطات من قبل المواطنين المتضررين، كما تواجه السلطات أيضا تهمة الانحياز لبعض القوميات، الأمر الذي تنفيه الجهات المسؤولة.
وفي 23 من مايو/أيار الماضي، تطورت الاحتجاجات عقب إعلان المجلس الإسلامي في أوروميا تعرض 19 مسجدا بمدينة "شيغر" للهدم، حاثا حكومة الإقليم على وقف عمليات الهدم والعودة إلى حل المشكلة من خلال الحوار، قبل أن تأخذ الأحداث منعطفا آخر.
ووفق تقارير غير رسمية، أزالت السلطات بمدينة "شيغر" ما يقارب 200 ألف منزل و19 مسجدا، ومراكز لتحفيظ القرآن.
من جهتها، وصفت لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية -وهي لجنة حكومية- عملية الهدم بـ "الإخلاء القسري وانتهاك القوانين الفدرالية".
هدم مساجد في إثيوبيا.. قتـيلان وجرحى في مظاهرة رافضة للاستهداف الديني #الجزيرة_مباشر | #إثيوبيا pic.twitter.com/5KAIRKriWY
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) May 27, 2023
إزالات عامة
ويرى مراقبون أن عملية هدم المساجد لم تكن مقصودة لذاتها، وإنما تأتي ضمن الإزالات العامة في إطار التحديثات التي تشهدها مدينة "شيغر" بإقليم أوروميا.
وقال الكاتب والباحث الإثيوبي علي عمر "ليس هناك استهداف خاص للمساجد، كما يدعي البعض من الذين ظهروا في عشرات مقاطع الفيديو" مستهجنا طريقة نشر المشكلة في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال عمر للجزيرة نت إن هؤلاء يتحدثون بلغة الانكسار والاستجداء والمظلومية عما وصفوه بتعرض المسلمين في إثيوبيا للظلم وهدم مساجدهم، على الرغم من أن الهدم جاء ضمن قرار إزالة عامة شمل منازل ومحلات تجارية.
وأطلق نشطاء مسلمون إثيوبيون حملات إعلامية على منصات التواصل ضد الحكومة التي يتهمونها بهدم المساجد، قبل أن ينضم إلى الحملات نشطاء مسلمون من مختلف أنحاء العالم، فيما اعتبرتها أوساط رسمية وشعبية في إثيوبيا "حملات مغرضة تقف خلفها جهات خارجية".
وفي هذا السياق، انتقد عمر ما أسماه "المسار الذي سلكه المجتمع المسلم في إثيوبيا للأزمة عبر مواقع التواصل بمقاطع المظلومية والبكائيات" مضيفا "هذا الانتشار الكبير لتلك المقاطع على المستوى الخارجي، هل هو انتشار طبيعي أم أن اللعبة أكبر؟ هذا الانتشار الكثيف يجعلني أشك أن ثمة أيادي خفية تسعى للتأجيج والتشتيت، وخلق مناخ مضطرب".
وأضاف أن عمليات الإزالة الآن مطروحة كمظلمة حاليا في أروقة المحاكم وساحات القضاء، وأن ديوان المظالم تلقى نحو 100 ألف شكوى من مواطنين، تعرضت منازلهم لهدم غير قانوني بمدينة "شيغر". واستدرك "لكن كان يجب الانتباه لحرمة المساجد وما تحويه، حتى لا يفهم الأمر بهذه الصورة".
دعوات للتهدئة
من جانبه، دعا المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا، المسلمين في أديس أبابا، إلى ضبط النفس، منددا بالتحركات التي تقوم بها بعض المجموعات التي تؤجج الصراعات، كما عبر عن رفضه للبيان الذي أصدرته حكومة إقليم أوروميا، واعتبره غير مقبول.
ولفت المجلس إلى تشكيل لجنة من 9 شخصيات من قياداته للمتابعة وأجراء مشاورات مع المسؤولين في الإقليم والحكومة الفدرالية، داعيا إلى انتظار نتائج اللجنة.
والأربعاء الماضي، حذرت حكومة أوروميا من "الانسياق وراء محاولات التشويه وزرع الفتنة التي تقوم بها المجموعات المتطرفة" مؤكدة أن عملية إزالة العشوائيات شملت كل المباني غير المرخصة، ولا تخص المساجد ودور العبادة وحدها.
واستبعد الداعية والناشط الاجتماعي عبد الرحمن سعيد أن تكون خطوة الإزالة التي طالت المساجد تستهدف المسلمين.
وقال سعيد للجزيرة نت إن عملية هدم المساجد لم تكن مقصودة في حد ذاتها، وإنما ضمن عملية إزالة شاملة، متابعا "ولا أعتقد أنها ناتجة عن كراهية واستهداف للمسلمين كما يروج".
وحول دور المؤسسات الإسلامية في مجابهة المشكلة، أكد سعيد أن حل هذه المشكلة وحفظ حقوق المسلمين يجب أن تكون بالتفاوض بين السلطات الرسمية والمجلس الإسلامي الذي أصبح له صوت مسموع ومؤثر على الحكومة الفدرالية والإقليمية.
وأضاف الناشط أن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية -على المستويين الفدرالي والإقليم- يقوم بدوره، وشرع فعلا في معالجة الازمة عبر الوسائل القانونية والدستورية.
المصدر : الجزيرة