في موسم زراعي شارف على الانتهاء بوادي الأردن، تكشف عملية ما يعرف بـ "جردة الحساب"، "بالورقة والقلم"، عن خسائر تعرض لها المزارعون قد تنذر بعدم قدرتهم على زراعة أراضيهم الموسم المقبل، في وقت بات بيع البنية التحتية من بيوت بلاستيكية ومضخات وشبكات ري خيار البعض للحد من تبعات الديون التي ستلاحقهم.
وعلى غرار المواسم الماضية، يجد المزارع معروف الطالب نفسه كغيره من مزارعي وادي الأردن رهن ظروف صعبة أجبرتهم على المضي في زراعة أراضيهم رغم الخسائر المتكررة، قائلا "حاولت جاهدا تقليص المساحة التي أزرعها لأصل إلى 25 % من مجمل المساحة، إلا أن ذلك لم يجد نفعا".
ويضيف أن المحظوظ الموسم الحالي هو الذي استطاع الخروج وحسب تعبيره "رأس برأس" أي لا خسارة ولا مكسب، في حين أن الغالبية العظمى من المزارعين تكبدوا خسائر فادحة، لافتا الى أن نتاج المواسم الأخيرة يتطلب من الجهات المعنية اتخاذ إجراءات فاعلة لإنعاش القطاع وإلا فإن انهياره سيؤثر سلبا على الوطن والمواطن وخصوصا المزارع.
ويبين أن كلف زراعة الأرض ما بين أجور ضمانة الأرض ومستلزمات الإنتاج وأجور العمالة وكلف الري والطاقة والنقل فاقت حجم المبيعات بحوالي 6 آلاف دينار، ناهيك عن الجهد والتعب المبذول طوال الموسم، موضحا أن هذه الخسائر ستنعكس سلبا على الموسم المقبل.
حال معروف هو حال معظم مزارعي وادي الأردن الذين تكبدوا خسائر كبيرة في ظل انخفاض أسعار البيع طوال فترات الموسم الحالي، واصفين الموسم بالأسوأ في تاريخ الزراعة بوادي الأردن، في وقت أشاروا فيه إلى إن الانسحاب السلمي من مهنة الزراعة بات غير وارد وحلول الخروج بأقل الخسائر ستكون على حساب البنية التحتية لمزارعنا.
ويبين المزارع نواش العايد أن القطاع الزراعي بوادي الأردن دخل مرحلة الانهيار، جراء استمرار المشاكل التي يعاني منها كالتسويق وارتفاع كلف الانتاج وارتفاع أجور العمالة الزراعية وفاتورة الطاقة وشح مياه الري وغيرها الكثير من العقبات التي لم تجد سبيلها الى الحل.
ويرى العايد أن مؤشرات هذا الانهيار بدأت فعلا مع تراجع المساحات المزروعة وتراجع حجم الإنتاج الخضري، مشيرا إلى الموسم المقبل سيظهر مدى الضرر الذي لحق بالمزارعين نتيجة الخسائر التي تكبدوها، إذ إن معظمهم ليس لديه إمكانيات مادية للبدء من جديد، في حين أن مصادر التمويل سواء الشركات الزراعية او محلات الكمسيون ستكون حذرة أكثر من تقديم الدعم للمزارع في ظل الظروف التي يشهدها القطاع.
ويؤكد المزارع عبد الكريم الشهاب أن الزراعة بالوضع الحالي باتت غير مجدية، بل عامل طرد للمزارعين والمستثمرين، متوقعا أن تتراجع المساحات المزروعة خلال الموسم المقبل بشكل كبير، لأن قلة من المزارعين تستطيع الصمود في وجه هذه التحديات، في حين أن غالبيتهم انهكتهم الديون لدرجة عجزوا معها تأمين المتطلبات المعيشية الأساسية لأسرهم.
ويضيف، أن خطورة الوضع تكمن في أن هذه الانعكاسات ستطال بشكل كبير صغار المزارعين والذين يمثلون الغالبية العظمى ممن يمتهنون الزراعة، ما يزيد من نسب الفقر والبطالة وما يرافقها من مشكلات اجتماعية خطيرة، مطالبا الجهات المعنية بضرورة التدخل الفوري لـوقف انهيار القطاع الزراعي، وإنقاذ ما تبقى منه والعمل على تنظيمه ليستعيد عافيته من جديد.
رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان الخدام يرى أن القطاع الزراعي وصل إلى منعطف خطير واستمرار العمل في زراعة الأرض هو بمثابة الدخول في نفق مظلم يقود نحو الهاوية، مبينا أن استمرار التحديات والعقبات كغياب الأسواق التصديرية وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي وشح مياه الري وتراكم المديونية الزراعية وارتفاع أجور العمالة الزراعية تسببت بانتكاسات متتالية لمزارعي الوادي.
ويضيف أن الموسم الحالي يعد من أسوأ المواسم على الإطلاق، لأن المزارعين استجمعوا كامل قواهم لزراعة الأرض إلا إنهم تعرضوا لخسائر فادحة مع تراجع أسعار البيع منذ بداية الموسم وحتى نهايته باستثناء فترات بسيطة، لافتا إلى أن هذه الخسائر ستدفع المزارعين المدينين للشركات والجهات الإقراضية إلى بيع البنية التحتية من بيوت بلاستيكية ومضخات وشبكات الري لسداد ديونهم وتفادي أي تبعات أخرى الأمر الذي سيؤثر على قدرتهم على زراعة أراضيهم الموسم المقبل.
تبعات الأوضاع الحالية التي يعيشها القطاع الزراعي ستكون كارثية بحسب الخدام، لافتا إلى أن قطاع الزراعة يعد من أكبر القطاعات المولدة لفرص العمل ومشغل رئيس لباقي القطاعات الأخرى سواء التجاریة أو الصناعیة أو الخدماتیة وأي انهيار سيصيبه سينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني وعلى الواقع الاجتماعي لأن عدم قدرته على توفير فرص عمل سيزيد من نسب الفقر والبطالة في وادي الأردن.
ويرى مدير سوق العارضة المركزي المهندس أحمد الختالين أن آمال المزارعين بالحصول على أسعار أفضل الموسم الحالي لم تفلح بسبب تراجع التصدير إلى الأسواق الخارجية، مبينا أنه وفي ظل تدني أسعار المنتوجات منذ بداية الموسم فإن قلة من المزارعين استطاعوا الخروج سالمين.
وبين أن الموسم الزراعي يشارف على الانتهاء والأسعار لا تزال دون الكلفة لمعظم المحاصيل الأمر الذي دفع عددا كبيرا من المزارعين إلى إنهاء محاصيلهم الزراعية، موضحا أن الحل الوحيد للنهوض بالقطاع الزراعي بوادي الأردن هو تسهيل انسياب المنتوجات إلى الأسواق التصديرية وتذليل العقبات التي تحول دون ذلك.
يذكر أن انهيار القطاع الزراعي في وادي الأردن بدأ مع بدء الأحداث في سورية والتي تسببت بإغلاق كافة الطرق البرية إلى أسواق تركيا ولبنان وأوروبا وروسيا والتي كانت تستهلك معظم الإنتاج الخضري في الوادي والذي نتج عنه اختناقات تسويقية، إضافة الى ارتفاع كلف الإنتاج بشكل عام.
بدوره، أكد مصدر في وزارة الزراعة أن الوزارة لم تأل جهدا في اتخاذ الإجراءات اللازمة للنهوض بالقطاع الزراعي، مبينا أن الوزارة تعمل على رؤية تشمل تنظيم القطاع عبر أسس ومحاور تضمن النهوض والاستدامة من أهمها إعادة النظر بمدخلات الإنتاج وكلفها وأثرها على المنتج المحلي وصولا إلى المنافسة الحقيقية والعمل على التسويق الزراعي من خلال أدوات وآليات تمس حلقات التسويق للمنتج المحلي والمضي نحو شركة تسويق زراعية لديها القدرة بالخروج إلى الأسوق العالمية من خلال مراكز ونقط تعبئة وتدريج وتبريد وبيع وتنظيم للوجستيات الخاصة بالنقل.
وأضاف أن الوزارة باشرت فعليا بالاهتمام بالتصنيع الزراعي والاستفادة من فائض الإنتاج من خلال تجفيف البندورة وصناعة المركزات بأنواعها، إضافة إلى بناء شراكات مع القطاع الخاص للتوجه نحو الزراعات التعاقدية وفتح أسواق تصديرية جديدة من شأنها تجاوز مشكلة تدني الأسعار وفائض الإنتاج والاختناقات التسويقية.
(الغد)