علّق الجيش السوداني مشاركته الأربعاء، في محادثات برعاية الولايات المتحدة والسعودية لوقف إطلاق النار متهما قوات الدعم السريع بالفشل في الإيفاء بالتزاماتها.
وأقر الوسطاء في المحادثات الجارية في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر انتهاك الطرفين الهدنة مرارا لكنهم تجنبوا حتى الآن فرض أي عقوبات على أمل إبقاء طرفي النزاع على طاولة المفاوضات.
وأفاد مسؤول في الحكومة السودانية طلب عدم الكشف عن هويته أن الجيش اتّخذ القرار "بسبب عدم تنفيذ المسلحين البند الخاص بانسحابهم من المستشفيات ومنازل المواطنين وخرقهم المستمر للهدنة".
من جهته، قال المتحدث باسم الاتحاد الإفريقي محمد الحسن لبات الأربعاء، إن انسحاب الجيش "لا ينبغي أن يحبط الولايات المتحدة والسعودية"، واصفا خطوة الجيش بأنها "ظاهرة كلاسيكية في المفاوضات الصعبة".
وفي العاصمة، قال سكان إن "المدفعية الثقيلة من معسكرات للجيش في شمال أم درمان تنفذ قصفا في اتجاه الخرطوم بحري".
وأكد آخرون تعرض "معسكر قوات الدعم السريع الكبير في الصالحة جنوب الخرطوم" لقصف مدفعي.
وكان الوسطاء الأميركيون والسعوديون أفادوا في وقت متأخر الاثنين، أن طرفي النزاع وافقا على تمديد بخمسة أيام للهدنة الإنسانية التي خرقاها مرارا خلال الأسبوع الماضي.
وأعلن الوسطاء "تمديد وقف إطلاق النار الحالي ليُمنح ممثلو العمل الإنساني مزيدا من الوقت للقيام بعملهم الحيوي" وذلك "رغم عدم الالتزام به في شكل تام".
ورغم تعهّدات الجانبين، اندلع القتال مرة أخرى الثلاثاء، في الخرطوم الكبرى وإقليم دارفور المضطرب في غرب البلاد.
وأعلن قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان خلال زيارة للقوات في العاصمة الثلاثاء، أن "الجيش جاهز للقتال حتى النصر".
وقال قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو إن القوات "ستمارس حقها في الدفاع عن نفسها"، متهما الجيش بانتهاك الهدنة.
مخاوف من انهيار
وقال الباحث المتخصص بالشأن السوداني في جامعة غوتنبرغ السويدية ألي فيرجي إن الوسطاء يسعون لتجنّب انهيار كامل للمحادثات، خشية تصعيد ميداني كبير.
وأفاد "يعرف الوسطاء بأن الوضع سيء لكنهم لا يريدون الإعلان بأن وقف إطلاق النار انتهى خشية تدهور الوضع أكثر".
وتابع "الأمل هو أنه عبر إبقاء الطرفين على طاولة المحادثات، ستتحسن في نهاية المطاف آفاق وضع ترتيبات يمكن احترامها بشكل أفضل".
ومنذ اندلعت المعارك بين الجيش والدعم السريع في 15 نيسان/أبريل، قتل أكثر من 1800 شخص، بحسب موقع مشروع النزاع المسلح وبيانات الأحداث.
وفرّت ياقوت عبد الرحيم من الخرطوم إلى بورتسودان حيث تنتظر منذ 15 يوما رحلة تقلها إلى الخارج.
وقالت لفرانس برس بين العائلات التي افترشت الأرض "نريد المغادرة بأي ثمن لأن منازلنا دمرت ولم يعد لدينا أي وسيلة لتربية أطفالنا".
وتفيد الأمم المتحدة بأن أكثر من 1.2 مليون شخص نزحوا داخليا فيما لجأ أكثر من 425 ألفا إلى الخارج، أكثر من 170 ألفا منهم إلى مصر.
وتؤكد الأمم المتحدة أن أكثر من نصف السكان (25 مليون شخص) باتوا بحاجة للمساعدة والحماية.
وانقطعت المياه عن أحياء كاملة في الخرطوم فيما لم تعد الكهرباء متوافرة لأكثر من بضع ساعات في الأسبوع بينما خرج ربع المستشفيات في مناطق القتال عن الخدمة.
مستشفيات الجزيرة
وتواصل الكثير من العائلات الاختباء في منازلها وتقنين المياه والكهرباء بينما تحاول جاهدة تجنّب الرصاص الطائش في المدينة التي تعد أكثر من خمسة ملايين نسمة، فر نحو 700 ألف منهم، بحسب الأمم المتحدة.
وأفادت وزارة الصحة السودانية في بيان الأربعاء، بأن ولاية الجزيرة التي تعد محطة استقبال رئيسية للنازحين من الخرطوم، شهدت خروج "تسع مؤسسات صحية من الخدمة رغم الهدنة المعلنة وذلك بسبب ميليشيا الدعم السريع التي تتحرك في تلك المناطق وتهدد حركة الكوادر الطبية والإمداد".
وقتل مئات الأشخاص في دارفور الواقعة عند حدود السودان الغربية مع تشاد حيث يتواصل القتال "متجاهلا بشكل صارخ التزامات وقف إطلاق النار"، بحسب طوبي هارورد من المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين.
وعرقل القتال المتواصل إيصال المساعدات والحماية التي يحتاجها عدد قياسي من الأشخاص (25 مليون نسمة)، أي أكثر من نصف السكان، بحسب الأمم المتحدة.
ورغم الاحتياجات المتزايدة، تفيد الأمم المتحدة أنها لم تحصل إلا على 13% من مبلغ 2,6 مليار دولار تحتاجه.
لم يتجاوز إقليم دارفور بعد تداعيات حرب دامية لجأ فيها الرئيس السابق عمر البشير إلى تشكيل ميليشيا "الجنجويد" التي تطورت لاحقًا إلى قوات الدعم السريع المنشأة رسميا عام 2013.
ويقول مراقبون إن البرهان يتعرض لضغوط متزايدة من أنصاره ومن أركان نظام البشير الذي أقام معهم علاقة نفعية للوصول إلى السلطة.
أ ف ب