ترغب المرأة، عادة في أن يبقى بيتها نظيفا ومرتبا طوال الوقت، حتى وإن كلفها الأمر جهدا كبيرا. ويميل الأشخاص المنظمون، غالبا إلى الشعور بقدر أقل من التوتر والفوضى. لكن الأمر قد يتحوّل إلى كابوس أو وسواس عند بعض النساء اللواتي يعشن "هوس النظافة" على مدار الساعة.
فمتى يكون الاهتمام بتنظيف المنزل طبيعيا؟ ومتى يصبح مؤشرا للإصابة بمرض "الوسواس القهري" النفسي؟
يقول المستشار في الصحة النفسية الدكتور ريمون ميشيل ثابت إن هناك تفسيرات علمية عدة لأسباب "الوسواس القهري"، فيرى بعض العلماء أنه سلوك مكتسب جراء القلق والتوتر النفسي أو كثرة الإحباط والإخفاق في الحياة، ويرى آخرون أن للعامل الوراثي دورا في الاستعداد للإصابة به. ولكنه يرتبط، في كل الأحوال، باضطراب كيميائي في الدماغ.
ويوضح ثابت، في حديثه إلى الجزيرة نت، أن "الوسواس القهري"، أيا كان نوعه، عبارة عن فكرة ملحّة تسبب القلق والإزعاج وقلة الراحة، ولكنها لا تسبب الإصابة بالأمراض. وبالتالي "علينا أن نعالج الأفكار ونتعرّف على الوسائل التي تحد من التوتر والقلق النفسي بعد تحديد مسبباته" وفق تعبيره، مشيرا إلى أن معظم الحالات تستجيب للعلاج بصورة كبيرة جدا.
من جانبها، ترى إيلين ريان، الطبيبة النفسية المتخصصة في الوسواس القهري والحالات المرتبطة بالقلق، أن الحفاظ على منزل نظيف أمر صحي وطبيعي للغاية، ولكن إذا أصبح سببا للمشكلات مع الآخرين، فإنه يتحوّل إلى مرض خطير يجب مواجهته.
وتضيف ريان، في موقعها الإلكتروني "في بعض الحالات، قد لا تظن المرأة أنها مريضة، وكل ما يشغلها فقط هو أن تعيش في منزل لا يشوبه أي خطأ او أي فوضى. قد يبدو الأمر في ظاهره أمرا عاديا، ولكنه في باطنه أمر صعب، فالإصرار على أن يكون المنزل بلا أي شوائب أو فوضى من شأنه أن يسبّب شعورا مستمرا بالإرهاق وضغطا نفسيا على المرأة ومحيطها".
وتشير إلى أن هذه الحالات لها سبلٌ كثيرة للعلاج، وقد أثبت العلاج السلوكي المعرفي أنه جيد عند التعامل مع أولئك الذين يعيشون هوس النظافة في كل لحظة.
مهووسات بالنظافة
رانيا أحمد إحدى ربّات البيوت اللواتي لديهن هوس دائم بنظافة البيت وترتيبه، مما سبّب لها مواقف محرجة مع صديقاتها والمحيطين بها، تقول رانيا "أحرص على التعقيم المستمر والدائم لجميع الأشياء من حولي، وأتجنّب لمس الأشخاص، وإذا حدث ذلك خطأً أسارع إلى غسل يديّ مرات عدة".
وتعترف بأنها حاولت أن تتخلّص من تلك العادة، بطرق متعددة، أو أن تخفّف من حدة هوسها، لكن من دون جدوى.
أما أميرة العشري -أم لـ4 أطفال- تحاول تقسيم ساعات اليوم ما بين التنظيف وتحضير الطعام والجزء الأخير تكرسه لرعاية أطفالها ومتابعة مذاكرتهم، إلا أنها تجد في نهاية كل يوم أن الأوقات كلها اقتصرت على التنظيف فقط.
تقول أميرة للجزيرة نت "بمجرد أن يحرك أي من أطفالي شيئا ويحاول آخر اللعب ونشر حالة من الفوضى التي قد تكون أمرا عاديا في أي منزل به أطفال، فإن هذه الأمور تثير غضبي، ويتبع ذلك إعادة التنظيف مرة ثانية حتى نهاية اليوم".
وأكدت أميرة أن يومها أصبح محصورا على التنظيف فقط، وهو ما يسبب لها عبئا جسديا كبيرا، إلا أنها لا تستطيع التوقف عن القيام بذلك حتى وإن كانت مريضة، مشيرة إلى أن هذا الأمر يحدث بشكل لا إرادي وبمجرد الانتهاء من هذا العمل تشعر بسعادة بالغة.
الإحصائيات العالمية
كشفت إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن ما بين 1.1% إلى 1.8% من سكان العالم مصابون بالوسواس القهري (OCD)، وقد صنفت المنظمة هذا المرض في المرتبة العاشرة من بين أكثر الاضطرابات النفسية المؤثرة والمرهقة، لأن أعراضه تسبب الكثير من القلق والتوتر والإحباط، وتدني احترام الذات، وقد تسبب العجز في مجال واحد أو أكثر من المجالات الاجتماعية المتنوعة (العائلية والعاطفية والشخصية).
كما أكدت منظمة الصحة العالمية أن اضطراب الوسواس القهري يحتل أيضا لوحده المرتبة الـ20 عالميا من بين الأمراض المسببة للإعاقة، إذ تعرف الإعاقة بكونها أي حالة نفسية أو جسدية تحد من قدرة الفرد على القيام بنشاطات معينة أو التواصل مع العالم المحيط، ويعد اضطراب الوسواس القهري المسبب الخامس عالميا للأمراض المرهقة عند النساء بين أعمار 15 و44 سنة.