لماذا يخشى الاحتلال الراية الفلسطينية ؟

mainThumb

28-05-2023 10:44 AM

printIcon

بعد ضغوط غربية تراجعت حكومة الاحتلال عن التداول في مشروع قانون يحاصر مالياً الجمعيات الأهلية الإسرائيلية التي تحصل على تمويل خارجي، وفي المقابل تتداول اللجنة الوزارية المختصة بالتشريع، اليوم الأحد، بمشروع قانون يحظر رفع العلم الفلسطيني في الجامعات، ويلزمها بطرد كل طالب يرفعه. وفي الأثناء يستعد الائتلاف الحاكم في إسرائيل لشن حملة تشريعات قضائية جديدة، فيما تستعد المعارضة لتصعيد الاحتجاجات عليها، وسط تسريبات وتصريحات عن فشل مساعي الوساطة بين المعسكرين المتصارعين برعاية “رئيس الدولة” يتسحاق هرتسوغ.

إمعان في الفاشيّة وترسيخ لذهنية الاحتلال
وتؤكد حركة “حرية”، المبادرة لرفع الوعي العام ضد الاحتلال وتعزيز النضال من أجل إنهائه، على المخاطر المرافقة للتشريعات الإسرائيلية الأخيرة، التي تسعى حكومة اليمين، حكومة بن غفير وسموتريتش، إلى فرضها على أرض الواقع، أملاً منها في فرض ما يعرف بـ “الحوكمة” والتشديد على الهوية اليهودية للدولة.


وأكدت “حرية” أنّ رفع العلم الفلسطيني، ودون أي علاقة لقانونية الموضوع، هو واجب قبل أنّ يكون حقاً، واجب يفرضه علينا انتماؤنا لشعب يقبع تحت الاحتلال، ويتوق إلى المفهوم ضمنًا- الحرية. وشددت “حرية” على أنّ القوانين المطروحة تؤكد على ذهنية الاحتلال، الفاشيّة، والتي لا تقتصر ممارستها على قمع وإقصاء وتهميش، إنما على محاولة تغييب وعي وثقافة وانتماء شعب كامل. وأوضحت “حرية” أنّ هذه المساعي لم تنجح في الماضي، ولن تنجح اليوم، انتماؤنا لشعبنا وهويته العربية الفلسطينية ستعزز أكثر، رغم كل هذه الممارسات، ودورنا أنّ نتصدّى لسياسات التشويه وعزلنا عن شعبنا”.

مَن الأكثر فاشية
وتصدّت صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها اليوم الأحد، لمشروع قانون حظر رفع العلم الفلسطيني في الجامعات الإسرائيلية، وقالت إن السلطة الفلسطينية ليست دولة معادية وليست منظمة إرهابية، وإن إسرائيل وقّعت على اتفاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية، وإن الراية الفلسطينية رفعت في الكنيست، وفي ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية في الماضي.

“هآرتس” تغفل حقيقة كون العلم هو علم الشعب الفلسطيني من قبل تأسيس منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، لكنها تعتبر حظر رفعه عملاً فاشياً وشعبوياً، وتؤكد أن حكومة نتنياهو السادسة بدأت تشبه رسماً الكاريكاتير الشمولي، إذ لا توجد أي خطوة تعتبر شمولية (توتاليتارية)، ولا يقوم بها أعضاء هذه الحكومة ممن باتوا يتنافسون على اللقب من هو الأكثر فاشية بالكامل”.

ومن المفترض أن تبحث اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، اليوم، مشروع قانون قدمته ليمور سون هارميلخ، النائب عن حزب “القوة اليهودية” برئاسة إيتمار بن غفير، القاضي بأن كل طالب في جامعة إسرائيلية يرفع علماً فلسطينياً، أو يعرب عن “دعم للإرهاب”، سيبعد للأبد من الجامعة.

يشار إلى أن الطلاب العرب الفلسطينيين في الجامعات الإسرئيلية يرفعون منذ سنوات كثيرة العلم الفلسطيني للتأكيد على هويتهم الوطنية في عدة مناسبات في السنة، منها احتفاليات إحياء ذكرى النكبة، وفي مناسبات وطنية، وكانوا يتعرضون لهجمات واعتداءات من أوساط وزعران في اليمين الصهيوني داخل الجامعات وخارجها.

وعلى خلفية فضح مشروع القانون الفاشي، كانت إدارات الجامعات الإسرائيلية قد نشرت، يوم الخميس الماضي، بياناً مشتركاً تعلن فيه رفضها لمشروع القانون المطروح، محذرة من أن المصادقة عليه ستقود لمقاطعة هذه الجامعات في العالم. وتوضح “هآرتس” أن عضو الكنيست غير المعروفة تريد أن تكسب نقاطاً على ظهر الطلاب العرب. وتتساءل هل هناك أسهل من ملاحقة الأقليات؟ من جهتها، تقول صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها إن سون هارميلخ معنية بتجنيد الجامعات عنوة، وتطالب بتحويل رجال المؤسسة الأكاديمية إلى رجال شرطة، وتحويل الطلاب لمخبرين بالكامل للتبليغ عن زملائهم العرب ممن يرفعون العلم الفلسطيني.

الكنيست دفيئة للغباء
في نص القانون المقترح جاء أن “مؤسسات أكاديمية تحولت في السنة الأخيرة لمنبر تحريض مركزي، وأن “يوم الاستقلال” تحول إلى يوم لرفع الرايات الفلسطينية، راية منظمة التحرير الإرهابية داخل مؤسسات أكاديمية إسرائيلية”. كما جاء في نص القانون المقترح أن العقل لا يحتمل أن يضطر الطلاب للتعلم لجانب من عبّر ويعبّر عن دعمه الواضح لـ “عمليات إرهابية”، وسط صمت مطبق من قبل إدارات المؤسسات الأكاديمية”. وتشدد “الصحيفة العبرية، “هآرتس”، على أن التداول بهذه المبادرة الفاشية وصمة عار على جبين لجنة التشريعات الوزارية وجبين إسرائيل كلها. وتتابع: “يدّعي مقدم مشروع القانون أنه يهدف لوقف التحريض، لكن في الواقع فإن الحكومة هي التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى منصة تحريض بروح المحرّض القومي بنيامين نتنياهو، فيما تحول الكنيست إلى دفيئة للغباء”. معتبرة أن محاولة النظر لرفع علم فلسطين كدعم لـ “الإرهاب” هو تحريض بحد ذاته، وتنوه إلى أن السلطة الفلسطينية ليست دولة عدو أو منظمة “إرهابية”، بل إن إسرائيل موقعة معها على اتفاقات، وتربطها علاقات تعاون بها منذ 30 سنة، وتستفيد من ثمار “التنسيق الأمني”.

وصمة عار على جبين إسرائيل
ومن هنا تستنتج “هآرتس” بأن محاربة العلم الفلسطيني أمر غير سوي، وفيها جحود وانفصام عن الواقع في البلاد وفي العالم. وتضيف: “لحسن حظ إسرائيل أن ليس كل شيء قد أصيب بعدوى الفاشية، فقد أعلن رؤساء الجامعات عن معارضتهم للقانون المقترح، والحديث يدور عن تسييس وتدخل عميق وغير معقول في عمل الحرم الجامعي”.

وتقول “هآرتس” إن هذه محاولة استخدام المؤسسة الأكاديمية لفرض وتطبيق جنائي وتحويل إدارات الجامعات لشرطة وقضاة وشانقين بحجة مخالفات فارغة. واستذكرت “هآرتس” ما كتبه رئيس جامعة تل أبيب بروفيسور أرئيل بورات بأنه بحال تم تمرير هذا القانون فإننا ننتج مكارثية حقيقية داخل الحرم الجامعي: “سيتعقب طلاب طلاباً آخرين لرصد كلمة أو أخرى تقال على لسان هذا أو ذاك، والنظر ما إذا كانت كافية لإبعاد الطالب القائل عن تعليمه”.

وخلصت “هآرتس” للقول إن مجرّد التداول بهذا القانون المقترح الفاشي هو وصمة عار على إسرائيل، ومكانه المستحق هو سلة القمامة، ومكان من يقترحونه هو خارج الكنيست. وتابعت: “لا يمّر يوم دون أن تذكّرنا هذه الحكومة كم هو مهّم مواصلة الاحتجاجات بكل قوة ضد الانقلاب القضائي”. في المقابل شن المعلق السياسي في صحيفة “يسرائيل هيوم” أمنون لورد حملة على من يعارض هذا القانون الفاشي الشعبوي، وقال إن حظر رفع أعلام منظمة التحرير الفلسطينية لا ينتهك حرية التعبير، وإن رؤساء الجامعات، في غبائهم، لا يميزون بين حرية تحليل التاريخ والتعبير ضد وجود إسرائيل والعمل الدعائي لتدميرها”.

“هآرتس”: سون هارميلخ معنية بتجنيد الجامعات عنوة، وتطالب بتحويل رجال المؤسسة الأكاديمية إلى رجال شرطة، وتحويل الطلاب لمخبرين.

بين هذا وذاك، وبالإضافة للتوّجهات الفاشية والشعبوية لدى المبادرين لمشروع حظر رفع العلم الفلسطيني في الجامعات، يشار إلى أن أوساطاً إسرئيلية واسعة يستفزها رفع هذه الراية، خاصة داخل المدن والمؤسسات الإسرائيلية، وربما يعكس ذلك خوفاً دفيناً من سيناريوهات مستقبلية تتعلق بوجود إسرائيل أو هويتها.

ماذا يريد نتنياهو؟
اليوم ومع اقتراب موعد انتخاب أعضاء جدد للجنة تعيين القضاة، يبدو أن وزير القضاء دينامو هذه التشريعات ياريف ليفين غير مستعد للتنازل، ولذا هناك من يعتبر أن الأسبوع الجديد هو أسبوع مصيري في مقر رئيس الدولة، من ناحية مستقبل المفاوضات حول الإصلاحات القضائية. وهناك من يتوقع أن يعلن الائتلاف عن إجراء انتخابات لممثلي الكنيست في لجنة تعيين القضاة إمعاناً في سياسة فرض الحقائق على أرض الواقع. ولذا جدّد وزير الأمن الأسبق موشيه ياعلون دعوته لقادة المعارضة بالتوقف عن المشاركة بما وصفه “مسرحية المفاوضات” برعاية هرتسوغ، معتبراً أن نتنياهو غير معني بالتراجع عن التعديلات القضائية، وأن المفاوضات الجارية وهمية، ويهدف منها نتنياهو إلى تخدير الإسرائيليين وتقليب عدد المشاركين في الاحتجاجات الأسبوعية.

في المقابل قالت الإذاعة العبرية إن هناك احتمالاً بأن نتنياهو يرغب بإرجاء هذه الإصلاحات التي تنتج صداعاً له وتمنعه من التفرغ لمتابعة قضايا أخرى ساخنة، كإيران وغلاء المعيشة وغيره، ويحاول التخلص منها بالرهان على الوقت، لكنه يتعرض لضغوط من اليمين ومن اليسار.

وسبقه النائب بيني غانتس قائد “الحزب الدولاني” بالتحذير من الإقدام على هذه الخطوة بالقول ستهتز البلاد وترتعش، بحال عادت الحكومة للتشريعات، وبذلك كان يرد على نتنياهو الذي قال قبل ذلك، رداً على سؤال القناة العبرية 14، إن حكومته عائدة للتشريعات وللمصادقة عليها. وعلى خلفية تحذيرات غانتس عاد نتنياهو وعدّل تصريحه بالقول إنه يبحث عن توافق واسع على الإصلاحات القضائية.