رصد تقرير مطول لوكالة أسوشيتد برس كيفية تعقب روسيا للمعارضين ومراقبتهم والسيطرة عليهم، إذ أصبح من الصعب بشكل متزايد على هؤلاء الهروب من رقابة الحكومة.
وتراقب السلطات الروسية حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، وتحاكم منتقدي الرئيس فلاديمير بوتين، أو الحرب في أوكرانيا.
وتسمح كاميرات المراقبة، المزودة بأنظمة التعرف على الوجه، للشرطة باعتقال النشطاء والهاربين بسرعة.
وحتى منصة الخدمات الحكومية عبر الإنترنت يُنظر إليها على أنها أداة للسيطرة، مع وجود خطط لخدمة الاستدعاءات العسكرية من خلالها، مما يجعل تكتيك التهرب من التجنيد، عبر تجنب تسلم الأوراق شخصيا، عديم الفائدة.
ويقول نشطاء للوكالة إن حكومة بوتين تمكنت من تسخير التكنولوجيا الرقمية للمراقبة والسيطرة على المعارضين، في دولة لها تاريخ طويل في التجسس على مواطنيها.
وبالنسبة للعديد من الروس، بات من الصعب بشكل متزايد التهرب من تدقيق السلطات، إذ تراقب الحكومة بنشاط حسابات وسائل التواصل الاجتماعي وتستخدم كاميرات المراقبة ضد النشطاء.
تصاعد الرقابة والملاحقات القضائية عبر الإنترنت
ويبدو أن الكرملين بدأ بتعزيز المراقبة الرقمية، منذ تم تنسيق احتجاجات جماهيرية بين عامي 2011-2012 عبر الإنترنت، مما دفع السلطات إلى تشديد الرقابة.
وتستطيع السلطات حجب المواقع والطلب من مشغلي الهواتف المحمولة ومزودي الإنترنت بتخزين سجلات المكالمات والرسائل، ومشاركة المعلومات مع أجهزة الأمن عند الحاجة.
وضغطت السلطات على شركات مثل غوغل وآبل وفيسبوك لتخزين بيانات المستخدمين على خوادم (سيرفر) روسية، دون جدوى، وأعلنت عن خطط لبناء شبكة "إنترنت سيادي" يمكن، إذا لزم الأمر، من عزلها عن بقية العالم.
ولفت التقرير إلى أنه بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، تصاعدت الرقابة والملاحقات القضائية على منشورات وتعليقات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير.
ووفقا لـ Net Freedoms، وهي مجموعة حقوقية بارزة، تم حظر أو إزالة أكثر من 610 آلاف صفحة ويب من قبل السلطات عام 2022، ووجهت إلى 779 شخصا تهم جنائية بسبب التعليقات والمنشورات عبر الإنترنت.
وقال رئيس المجموعة، دامير جينوتدينوف، إن أحد العوامل الرئيسية وراء ذلك كان القانون الذي تم تبنيه بعد أسبوع من الغزو، والذي يجرم فعليا المشاعر المناهضة للحرب، ويحظر "نشر معلومات كاذبة" عن الجيش أو "تشويه سمعته"، وتم استخدامه ضد المعارضين العلنيين للحرب.
واستشهدت هيومن رايتس ووتش بقانون آخر لعام 2022 يسمح للسلطات "بإغلاق وسائل الإعلام خارج نطاق القضاء وحظر المحتوى على الإنترنت في حال نشر معلومات كاذبة حول سلوك القوات المسلحة الروسية أو هيئات حكومية أخرى في الخارج أو لنشر دعوات لفرض عقوبات على روسيا".
قوانين تستهدف مستخدمي وسائل التواصل
واستهدفت قوانين مكافحة التطرف الأكثر صرامة التي تم تبنيها في عام 2014 مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، مما أدى إلى مئات القضايا الجنائية بسبب المنشورات والإعجابات والمشاركات.
ومع اتساع نطاق الحملة، استهدفت السلطات أيضا فيسبوك وتويتر وإنستغرام وتليغرام، وبعد حوالي أسبوع من الغزو، تم حظر فيسبوك وإنستغرام وتويتر في روسيا، ورغم ذلك فإن بعض مستخدمي هذه المنصات لا يزالون يتعرضون لمحاكمات وعقوبات.
ويشعر مدافعون عن حقوق الإنسان بالقلق من أن الرقابة على الإنترنت على وشك التوسع بشكل كبير عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بحثا عن المحتوى الذي يعتبر غير قانوني.
المراقبة في الشوارع
في عامي 2017 و2018، طبقت سلطات موسكو نظاما لكاميرات الشوارع مزود بتقنية التعرف على الوجه.
وخلال جائحة كورونا عام 2020، تمكنت السلطات من تعقب وتغريم أولئك الذين يغادرون منازلهم في انتهاك لعمليات الإغلاق.
وفي نفس العام، ذكرت وسائل إعلام روسية أن المدارس ستحصل على كاميرات أيضا، وأنه سيتم ربطها بنظام التعرف على الوجه.
وعندما اندلعت الاحتجاجات على سجن زعيم المعارضة، أليكسي نافالني، عام 2021، تم استخدام النظام لتعقب واحتجاز أولئك الذين شاركوا بالمظاهرات، وأحيانا بعد أسابيع من ذلك.
وبعد إعلان بوتين عن تعبئة جزئية للرجال للقتال في أوكرانيا في سبتمبر 2022، يبدو أن ذلك ساعد المسؤولين على اعتقال المتهربين من الخدمة العسكرية.
وقال رجل تم إيقافه في مترو أنفاق موسكو بعد عدم الامتثال لاستدعاء التعبئة، إن الشرطة أخبرته أن نظام التعرف على الوجه نبههم إلى وجوده، وفقا لزوجته، التي تحدثت إلى وكالة أسوشيتد برس بشرط عدم الكشف عن هويتها لأنها تخشى الانتقام.
وأفادت هيومن رايتس ووتش هذا العام أن "السلطات الروسية وسعت سيطرتها على البيانات الحيوية للأشخاص في عام 2022، بما في ذلك عن طريق جمع بيانات من البنوك، واستخدام تقنية التعرف على الوجه لمراقبة النشطاء واضطهادهم".
وقال خبراء للوكالة إن هناك 250 ألف كاميرا مراقبة في موسكو مزودة بهذه التقنيات، وموزعة عند مداخل المباني السكنية وفي وسائل النقل العام وفي الشوارع، وهناك أنظمة مماثلة موجودة في سانت بطرسبرغ ومدن كبيرة أخرى، مثل نوفوسيبيرسك وكازان.
"مراقبة رقمية كاملة"
في نوفمبر الماضي، أمر بوتين الحكومة بإنشاء سجل على الإنترنت للمؤهلين للخدمة العسكرية بعد أن كشفت جهود حشد 300 ألف رجل للقتال في أوكرانيا عن فوضى في سجلات التجنيد.
وقالت المحللة السياسية، تاتيانا ستانوفايا، في تعليق حديث لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن السجل، الذي يتوقع أن يكون جاهزا بحلول الخريف، سيجمع جميع أنواع البيانات، "من العيادات الخارجية إلى المحاكم ومكاتب الضرائب ولجان الانتخابات".
وسيتيح ذلك للسلطات إرسال مسودة الاستدعاءات إلكترونيا عبر موقع إلكتروني حكومي يستخدم لتقديم طلب للحصول على وثائق رسمية، مثل جوازات السفر أو صكوك الملكية.
وبمجرد ظهور الاستدعاء عبر الإنترنت، لا يمكن للمستلمين مغادرة روسيا. ويتم فرض قيود أخرى، مثل تعليق رخصة القيادة أو حظر شراء وبيع الممتلكات، إذا لم يمتثلوا للاستدعاء في غضون 20 يوما، سواء رأوه أم لا.
وتعتقد ستانوفايا أن هذه القيود يمكن أن تمتد إلى جوانب أخرى من الحياة الروسية، مع قيام الحكومة "ببناء نظام دولة للمراقبة الرقمية الكاملة والإكراه والعقاب". وعلى سبيل المثال، يفرض قانون، صدر في ديسمبر الماضي، أن تشارك شركات سيارات الأجرة قواعد بياناتها مع الوكالة التي خلفت الكي جي بي السوفياتي (المخابرات)، مما يمنحها إمكانية الوصول إلى تواريخ المسافرين ومسارات الرحلات والدفع.