كتبها: عبدالله محمد الغويري.
الحَارَةُ التي لَمْ يَعُدْ فيها كِبار سِنّ هي حَارَةٌ قاتِمةٌ و مُوحِشةٌ-لا ضِياءَ فيها ولا بَهْجة - فهم قَبَس الذكريات.. وَهُمْ إطلالة الحاضِرِ على الماضي.. وهم البركة في الرزق.. والحِكمة.. والحُبّ. سَتظلُّ الأزِقَّةُ والطرقاتُ تُشِعُّ بنور ابتسامتهم اليانِعةِ رَغْمَ ما تبقى لديهم من أسنان، فمَلابِسهُم من استبرق.. ورائِحتهُم مِسْك.. وعيونهم سَتظلُّ عيون طفل رغم تقادم السنين.
إذا لَمْ يزالوا في حَارَتِكَ أو قريتِكَ فأهْرَعْ إليهم وجَالِسْهُم.. اِنْهَلْ من يَنْبُوعِ خِبْرتهم الذي لا يَنْضَب.. استنشق أَثِيْرَ الماضي عَبْرَ كلِماتِهم.. وارْتَشِف المحبَّة من تَهَدُّلِ عيونهم، عانِقْهُم قبل أنْ تخسرهم.. وأَمْعِن التَّحْدِيقَ في الأطلال المَنْحُوتَةِ على مَسْرَحِ وجُهِهم- فَهُم آخِرُ ما تبقى في الدنيا من طِيبة.. وهُم الكائِناتُ البشريّةُ الجميلةُ المُهَدَّدَةُ بإلانْقِراض.