بناء أسرة سليمة قادرة على أن تكون عنصرا داعما في المجتمع يتطلب نوعًا من التفاعل الاجتماعي، ولا شعوريا يتأثر الرضا الزوجي سلبًا عندما لا يميل أحد الشريكين إلى ذلك.
هنا، تظهر عدم قدرة أحدهما على إشباع الحاجات المتوقعة من الآخر، مما يؤدي إلى خلل في توازن العلاقة الزوجية، وفق مختصين.
وتقول الباحثة والمستشارة الاجتماعية الدكتورة فاديا إبراهيم إن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، والتفاعل الاجتماعي هو الفعل الأساسي للأفراد في كل المجتمعات. ومن خلال هذه التفاعلات، يحدّد الأشخاص قيمتهم ومكانتهم الاجتماعية وشكل حياتهم وعلاقتهم بالآخرين.
وكلما كانت العلاقات الاجتماعية أكثر نجاحا وإيجابية زادت جودة الحياة بالنسبة إلى الأفراد، وفق الدكتورة فاديا إبراهيم، التي اعتبرت أن ما ينطبق على الأفراد ينسحب أيضًا على الأزواج، فالأسر الوحيدة التي تفتقر إلى إقامة علاقات اجتماعية غالبًا ما تعاني القلق والملل والوحدة والعصبية، لأن العلاقات الاجتماعية توفر السعادة والاطمئنان والراحة النفسية، ومن ثم توفر أسرة سوية متزنة نفسيا واجتماعيا.
وتوضح أن العلاقات الاجتماعية تتيح للأزواج شيئًا من التغيير والتجديد والتعرف على شخصيات وخبرات جديدة والاستفادة من تجارب الآخرين وطرق عيشهم السليم، وتعطي الأزواج مساحة للتحرك والتعبير وممارسة نشاطات اجتماعية متنوعه بدلا من الالتصاق والانغلاق الدائم في ما بينهم.
سلامة العلاقات الاجتماعية
غير أن نسج علاقات مع الآخرين يحتاج إلى مهارات اجتماعية ناجحة لضمان سلامة هذه العلاقات واستمرارها، مثل المجاملة والمشاركة في المناسبات الاجتماعية والقدرة على التأقلم والتكيّف مع الآخرين وقبول شخصياتهم وآرائهم واحترامها، فضلًا عن التمييز بين العلاقات الاجتماعية الإيجابية وتلك السامة، لأن دخول بعض الأزواج في علاقات اجتماعية غير جيدة قد يسبب لهم مشكلات ويكون سببًا في الخلافات الأسرية، مثل وضع أنفسهم في مقارنات مادية أو عاطفية مع معارفهم وأصدقائهم، وفق فاديا إبراهيم .
وتقول: "لا ننسى أهمية العوامل الثقافية في اختيار العلاقات الاجتماعية بالنسبة للأزواج، مثل العادات والتقاليد والسلوكيات المسموحة أو الممنوعة لدى بعضهم، وكذلك طرق التفكير والمبادئ والقيم، لا سيما تلك المتعلقة بالدين، بالإضافة إلى التقارب في المستوى الاجتماعي والاقتصادي، حتى لا يحس أي طرف بأنه أقل من الطرف الآخر".
وتنصح المستشارة فاديا إبراهيم، في حديثها للجزيرة نت، بالابتعاد عن العلاقات السلبية التي فيها شيء من الغيرة أو الحسد أو الاكتئاب، وتحديد الوقت الذي يمكن أن يمضيه الأزواج مع أصدقائهم، فلا يكون على حساب العائلة أو الأطفال أو الأزواج أنفسهم.
زوجان.. انطوائي واجتماعي
ترى المستشارة النفسية الدكتورة عصمت حوسو أن الرضا الزوجي يتأثر بالتفاعل الاجتماعي، خصوصًا إذا كان أحد الشريكين انطوائيا والآخر اجتماعيا أو منفتحا، فالانطوائي لا يرغب في اللقاءات والاختلاط، بل يميل إلى العزلة وسط الدائرة المريحة له، فمنطقة الراحة بالنسبة إليه تقتصر على المقرّبين.
في المقابل، فإن الشخص "المنفتح" لديه علاقات عدة، يحب التزاور والخروج برفقة الأصدقاء ويميل دائما إلى تكوين علاقات جديدة.
هذا الفارق بين الشريكين يولد مشكلات، لأن الشخص الاجتماعي سيتجه إلى ممارسة ما يميل إليه بمفرده وبنمط الشخص العازب بينما هو متزوج، وهو ما يشكل لديه نقصا، ويحرّك رغبته في ملء هذا النقص. وهنا يبدأ مسلسل البحث عن شخص آخر، أو يولّد لديه عدم الرضا الزوجي، وفق المستشارة حوسو.
لكنها تلفت إلى أنه إذا كان الشريك الانطوائي مرنا، أي لديه مرونة عقلية وسلوكية، قد يبادر بتقديم حلول وسط مع الشريك "المنفتح".
ويختلف الأمر إذا كان الطرف "المنفتح" امرأة أو رجلا، فإذا كانت المرأة، فمن الممكن تعويض هذا الأمر بعلاقات فردية مع العائلة والصديقات.
لكن عند وجود تجمعات أو عزائم وغيرها في المنزل، سواء مع الأقارب أو المعارف أو أناس جدد، تنشأ مشكلة مع الزوج، باعتباره رب الأسرة وصاحب البيت، وهذه العلاقات لا تناسبه ويرفض مشاركتها. وهنا، تبدأ المشكلات بين الطرفين، وتصبح للزوجة حياة خاصة بها.
والعكس صحيح، بحسب حوسو، فعندما يكون الرجل "منفتحًا" والمرأة "منغلقة" تصبح حياته لنفسه، كون الزوجة ترفض حضور الآخرين في منزلها، فتصبح حياته الاجتماعية خارجية فقط. لذا، تكثر المشكلات الزوجية، وشيئًا فشيئًا يصبحان "كالغرباء"، شركاء في المؤسسة و"غرباء" في الحياة.
المرونة بين الزوجين
أما عندما تكون هناك مرونة بين الزوجين تنتج حلولا وسطى ترضي الطرفين، مثل تقنين العلاقات الاجتماعية والزيارات المنزلية والمشاوير الخارجية مع الأقارب والمعارف، وفق المستشارة حوسو.
وتضيف المتحدثة أن "موضوع التفاعل الاجتماعي وفكرة وجود طرف من أطراف العلاقة الزوجية يرفضه يعد أحد الأسباب التي تولّد مشكلات، لأن الطرف المنفتح لا يستطيع الجلوس في المنزل، وخصوصا إذا كان رجلا لا يستطيع التملص من حياته الاجتماعية، فيشعر بالضيق والضجر حينها".
وترى حوسو أن الرضا الزوجي مهم جدا وله شروطه وأسسه وقواعده المبنية على التفاهم والاحترام، ومنها احترام كل طرف لرغبات الآخر، حتى وإن كانت خارج راحته الشخصية.
وهنا تكمن أهمية الأسس التي يجب أن تكون قائمة بين الطرفين قبل الزواج في مرحلة التعارف، لأن مؤسسة الزواج بعد ذلك مختلفة تماما عن علاقة الخطوبة، فإذا لم تكن هناك بنية تحتية قوية في العلاقة بين الطرفين، سينخفض الرضا الزوجي، حتما، إلى أن يصل الشريكان إلى نقطة اللاعودة أو ما لا يحمد عقباه، حسب حوسو.