مع بدايات انتشار جائحة كورونا وتطورها بداية عام 2020، قرر
الأردن منع حبس المدينين الذين صدرت بحقهم قرارات قضائية لمنحهم فرصة سداد ديونهم، وبعد 3 سنوات مع تلاشي الدواعي والأسباب توقفت أوامر الدفاع الخاصة بذلك، لكن توقفها لم يكن عشوائيا وتبين أن فوائد كثيرة تحققت لصالح الطرفيْن؛ الدائن والمدين.
ومنذ أن أعلن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة وقف العمل بأمر الدفاع الذي يمنع حبس المدين الشهر الحالي، تتبعت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) الإجابة عن سؤال "كيف كان حال الدائن والمدين قبل كورونا وكيف سار خلال السنوات الثلاث أثناء وبعد الفيروس وكيف أصبح اليوم؟"، ليتبين أن مدينين كثرا استطاعوا سداد جزء من ديونهم، كما حصل دائنون على جزء من أموالهم، وليتبين أيضا أن
الأردن نجح بتحقيق التوازن بما يضمن حق الدائن والمدين من خلال تعديلات أجريت على قانون التنفيذ.
الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق الدكتور محمد ناصر ابو حمور، قال، في بداية أيار الحالي وفي ضوء عدم تمديد أمر الدفاع رقم (28) المتعلق بحبس المدين أصبحت العلاقة بين الدائن والمدين خاضعة لأحكام التشريعات المعتمدة في الظروف العادية، وأهمها قانون التنفيذ الذي أجريت عليه بعض التعديلات خلال السنوات الأخيرة تضمنت تقليص الحالات التي تسمح بحبس المدين، وهي 13 حالة منها المدين الذي يقل دينه عن خمسة آلاف دينار أو من لديه رهونات تضمن حق الدائن وغيرها.
وأضاف، إن أمر الدفاع الذي صدر أواخر آذار 2021 واستمر حتى نهاية ذلك العام، صدرت بعد ذلك عدة قرارات بتمديده حتى نهاية نيسان الماضي، مشيرا إلى أن من الواضح أن الظروف التي شهدت إصدار أمر الدفاع كانت استثنائية بسبب تفشي وباء كورونا وما رافق ذلك من إغلاقات وتعطل العديد من المصالح ما استدعى التدخل للحفاظ على السلم الاجتماعي وحماية الفئات المتضررة.
وأشار الى أن من الطبيعي أنه وفي ظل انتهاء الظروف الداعية الى ذلك أن تتم العودة للإجراءات الطبيعية التي تضمن للدائن تحصيل حقوقه بمختلف الطرق المتاحة، علما بأن التشريعات النافذة أتاحت إجراء تسويات مالية تضمن حقوق الطرفين الدائن والمدين وتحافظ على استمرار مشاركتهما في الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
وأكد أبو حمور أن تمديد أمر الدفاع خلال الفترات الماضية كان محل انتقاد قبل الدائنين، وبالعكس كان عدم تمدبده محل انتقاد بعض المدينين، لكن وفي ظل الظروف الحالية ولغايات تحفيز الأنشطة الاقتصادية على استمرار أعمالها يبدو أن قرار عدم التمديد منطقي ومتلائم مع الظروف الاقتصادية ويساعد في تحصيل الحقوق من بعض الفئات التي تتراخى عن تسديد ديونها دون مبررات معقولة.
وبين أن تعديلات قانون التنفيذ تشكل ضمانة لعدم تعرض أكثر من ثلثي المدينين لعقوبات سالبة للحرية، كما أن من غير المتوقع أن يشكل الواقع الراهن أي إرباك لعمل الدوائر القضائية أو التنفيذية ذات العلاقة، وبالإضافة الى هذا وذاك، يعزز هذا القرار الثقة بالاقتصاد الأردني والتشريعات التي تضمن الحقوق لأصحابها.
من جانبها، أكدت المستشارة النفسية والأسرية وخبيرة التنمية البشرية الدكتورة حنان العمري أن القوانين ترتبط ارتباطا وثيقا بالمنظومة الأخلاقية وا يجدر الفصل بينهم؛ فالقانون الذي يتجرد من منظومة الأخلاق التي تحاكي متطلبات الفرد والمجتمع يعد قاصرا، مشيرة إلى أن هذا يقودنا إلى رؤية اكثر عدالة مجتمعية لقانون حبس المدين الذي كان لإيقافه الأثر الايجابي على المدين وأسرته وبالتالي المجتمع وعلى الدائن احيانا أخرى.
واضافت، إن منح المدين فرصة لتأمين المبالغ المالية المترتبة عليه ومراعاة مصالح أسرته خاصة إذا كان هو المعيل الوحيد للأسرة والذي يؤدي حبسه إلى تردي أوضاعهم المعيشية والنفسية هو هدف أخلاقي أخذت تعديلات قانون التنفيذ به.
وبينت أن المدينين استطاعوا الوصول إلى حلول ابسطها الحد من تدهور الوضع إلى الأسوأ الذي كانت ستؤول له الأمور في حال سجن المدين وهو ما يحول دون استرداد الدائن لدينه ويجعل باقي أسرة المدين العائل تقع في ديون إضافية وتعثر آخر وانعدام الرعاية المادية والنفسية.
وأشارت الى أن وقف حبس المدين خلال السنوات السابقة ربما أتاح الفرصة لاستغلاله والتمادي بزيادة الاقتراض وعدم السداد، الا ان إيقاف العمل به كان قرارا في محله لتصويب الأوضاع وعدم اتساع الفجوة الاقتصادية والاجتماعية وحماية اللبنة الأساسية الا وهي الأسرة من مخاطر الديْن..
متعثرون عن السداد استطاعوا تسديد جزء من ديونهم خلال 24 شهرا الماضية ومنهم التاجر محمد جبري الذي قال إنه يمتلك 3 محلات، ومر بظروف تجارية صعبة عام 2014، وانتهت به إلى السجن لمدة 90 يوما، على ذمة قضية مالية، ليخرج عقبها حيث وجد محلاته مغلقة.
واضاف، "قبل إعلان قرار وقف حبس المدين بقليل، كنت مهددا بالحبس مرة أخرى نتيجة لقضايا جديدة رفعها بحقي يطالبون بحقهم، لكن قرار وقف حبس المدين منحني فرصة حقيقية لجدولة ديوني والانخراط في السوق، وتمكنت من سداد 10 آلاف دينار من أصل 30 ألف دينار، موضحا أن وجوده حرا طليقا، وبعيدا عن السجون، فتح الباب أمامه واسعا لإدارة أعماله التجارية، وتقسيط باقي دينه على التجار.
وقال المحامي والقاضي ومستشار ديوان الرأي والتشريع سابقا الدكتور محمود عبابنة يحسب للحكومة أنها انتهجت حلا تدريجيا لمسألة حبس المدين قبل إطلاق قانون التنفيذ الجديد والذي مر بمراحله الدستورية.
من جهتها قالت الباحثة والاكاديمية في الشؤون السياسية والقانونية والدولية وعضو اتحاد الكتاب والصحفيين العرب في اوروبا الدكتورة دانييلا القرعان، إن
الأردن وبعد تعمق جائحة كورونا استشعر خطر حبس المدين وضياع حقوق الدائن، فقرر وقف حبس المدين لتأثيره المدمر على دائرة واسعة من أفراد المجتمع خاصة أرباب الأسر، فهم قد يفقدون وظائفهم وقدرتهم على اعالة اسرهم، بالإضافة إلى الكلف المترتبة على الحبس.
واشارت إلى تعديلات قانون التنفيذ التي انسجمت مع ما تضمنته أوامر الدفاع، حيث جاء تعديل المادة 22 من قانون التنفيذ الجديد لينص صراحة على أنه "يحق للدائن حبس مدينه في حال عدم التسديد أو لم عرض تسوية تتناسب مع قدرته المادية، وذلك خلال مدة إخطاره بشرط ألا تقل الدفعة الأولى من الوفاء بموجب التسوية عن 15 بالمئة من المبلغ المحكوم به، وينبغي الا تتجاوز مدة الحبس 60 يوما في السنة الواحدة عن دين واحد، و120 يوما في حال تعددت الديون".