فاطمة الزهراء - عبادة بسيطة العمل كبيرة الأثر قد يغفل كثيرون عنها ولا يولونها اهتمامًا، حث ديننا الحنيف عليها في مواقف عدة وجسدها رسولنا الحبيب واقعًا مع صحابته وأهله ومجتمعه، هذا الخلق السامي الذي يرفع صاحبة وينمُّ عن سلامة صدره وحبّه لإخوانه في المجتمعات، يوطد العلاقات ويسعد المكسورين ويمنحهم الأمان والطمأنينة.

جبر الخواطر عادة تؤلف القلوب وتبني جسورًا من الود بين الناس، فلا أعظم ممن يطيب خاطر الآخرين ويجبرهم في حزن حلّ بهم أو مصيبة وقعت لهم فتخفَّ أحزانهم، ويتلاشى وقع الحوادث عليهم، ولا أحنّ ممن يلاطف العباد ويحسِّن مزاجهم ويجبر قلوبهم، فيكسبَ أجر الإحسان والجبر ويعظِّمَ أثر ذلك في القلوب.

يقول الإمام سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم" وهذا دليل على عظمة الوقوف إلى جانب الآخر والتخفيف عنه والشعور به، ما يولد تراحمًا مجتمعيًا ويعزز المودة بين الناس.

تتعدد أشكال جبر الخواطر وتختلف طرقها، إلا أنها في نهاية المطاف تؤدي معنى السند وتوثق أواصر المحبة، فقد تكون بابتسامة لعابر طريق، أو الوقوف إلى جانب أهل ميت وتسلية قلوبهم، أو قولًا هينًا لينًا بادرتَ به أحد الناس ممن تعرفه أو لا تعرفه، أو ردًا لطيفًا لسائل لك في الطريق، قال تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) فقد نهى عن نهر سائل الطريق أو رده بطريقة فَضَّة، لما في ذلك من إيذاء وكسر للخواطر، وهذا يعزز مفهوم جبر الخواطر في ديننا ويوضح حرصه وعنايته بالنفوس وأحوالها ما ينعكس أثرًا عظيمًا على حياة المرء.

تقول سماح محسن (26) عامًا "لا أنسى حين كنت طالبة جامعية ووقع مني هاتفي وانكسر، وكنت أعتمد عليه بشكل أساسي في دراستي، وقد انقطعت عن المحاضرات والمواد التي تُرسل إلكترونيًا إلى أن فاجأني خالي بإهدائي هاتفًا أفضل من الذي كان معي، كان هذا من أبهى المواقف التي شعرت فيها بجبر الخاطر".

وذكر عمر سميح (35) عامًا أنه متزوج منذ عشر سنوات ولم يرزق الأبناء وحاول هو وزوجته جميع الطرق الممكنة، ليرزقوا بمولود يقول "لطالما سألت الله أن يجبر خاطري ويرزقني طفلًا يكون قرة عين لي، ولطالما دعوته ألا يكسر خاطري فجبرني بفضل منه ونعمة ورزقني توأمًا هما عيناي الآن".

من جانبها قالت منال السيد (23) عامًا أمر بضغوط نفسية في هذه الفترة إثر تحضيري لرسالة الماجستير وكثيرًا ما يتعكر صفو خاطري، وأشعر أني غير قادرة على المواصلة إلا أن كلام والدتي وصديقتي معي وتحفيزي يجبر خاطري حقًا، "أكون محتاجة حقًا لطبطبة على كتفي وتسلية لقلبي والكلمة الطيبة هي جبر خاطر لقلبي في الصعوبات التي أمر بها".

لا يكون جبر الخاطر بالتكلف وتحميل النفس فوق طاقتها لتقديم المعروف والإحسان للآخرين، في بعض الأحيان لا يحتاج منك الآخر أكثر من ابتسامة أو كلمة طيبة أو حضن يرمي بتعبه عليه، وهذا الغرض من جبر الخواطر.

انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مصور لطفلة من متلازمة داون تجلس على درج تراقب المارّة، لتلاطفها إحدى الفتيات بلمسة على خدها أثناء صعودها الدرج ومضيها في طريقها، فالتقطت إحدى الكاميرات ذلك الموقف الذي سيبقى عالقًا لدى الكثيرين، حيث وضعت الطفلة يدها على خدها مع ابتسامة عريضة وسعادة غامرة، فامتدت سعادتها أزيد من خمس دقائق وهي تتلفت وتداعب خدها، يُظهر هذا الموقف جليًا أثر جبر الخواطر في النفوس وكيف يقلب ذلك حال الإنسان ويعدل مزاجه ويصرف عنه هموم الدنيا التي تثقل كاهله.

وقد قيل من سار جابرًا للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر، فمن جبر الخواطر جبر الله خاطره، لكون الجبر في أساسه صفة لله واسم من أسمائه ويقترن الجبر بالعزيز الجبار، ويحب سبحانه وتعالى أن يرى هذه الصفة في عباده المؤمنين، يصلحون قلوب الناس ويعينونهم على ما يواجهونه في معتركات هذه الحياة.