شكل اجتماع عمان التشاوري لوزراء خارجية كل من السعودية ومصر والعراق وسوريا، بالإضافة إلى الأردن ذروة سنام الجهود الأردنية لإطلاق حراك عربي جاد لتسريع عودة سلسة لسوريا للمنظومة العربية، وفق عدد من المراقبين.
واعتبروا اجتماع عمان بالأمس القريب تتويجا وثمرة لجهود أردنية مستمرة قادها جلالة الملك عبدالله الثاني منذ أمد بعيد على مختلف الصعد عربيا ودوليا لتهيئة بيئة مناسبة تتيح لسوريا وتزيل الكثير من العقبات أمامها لاستعادة وضعها على الساحة العربية باعتبارها بوابة ورافعة لاستئناف حضورها على الساحة الدولية.
وكان الأردن سباقا في المناداة وعبر كل المحافل بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية يحافظ على وحدة أراضي البلاد، ويلبي طموحات الشعب السوري، ولعل تأكيده المستمر على عدم وجود حل للأزمة السورية سوى الحل السياسي أكبر الأثر في تشكيل قناعة عربية لجهة ضرورة المسارعة في إيجاد مخرج مناسب يهيء الظروف لاستعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية، ويخرجها من عزلتها التي طالت وأثرت على كل مناحي الحياة فيها.
ولعل كارثة الزلزال الأخير الذي ضرب كلا من سوريا وتركيا وما خلفه من مأساة كبيرة على الأشقاء في الشمال السوري في ظل الحصار المفروض على سوريا، أعطى دفعة قوية لجهود الأردن في كسر العزلة السورية، والذي بادر مباشرة إلى إيفاد وزير الخارجية وشؤون المغتربين إلى دمشق للتعبير عن تضامنه مع الأشقاء، وبالتزامن مد جسرا من المساعدات عبر الطائرات وقوافل الإغاثة للمتضررين من الزلزال المدمر.
ولعله من نافلة القول الإشارة إلى أن الأردن من أكثر الدول المتأثرة بالوضع في البلاد لجهة استقباله أعدادا كبيرة من اللاجئين، وتوفيره التعليم والطبابة ومتطلبات الحياة الكريمة لهم، ما أثقل كاهله وأثر على بنيته التحتية التي لم تعد تحتمل كل هذا الضغط اللامحدود على موارده الشحيحة.
وكانت عمان واضحة باتباعها منهجية خطوة مقابل خطوة نحو موقف عربي موحد لإيجاد حل للازمة السورية، إلى جانب مبادرات وطروحات عربية عدة قبيل انطلاق القمة العربية التي تستضيفها الرياض أيار الحالي.
وقال رئيس لجنة الإعلام والتوجيه الوطني في مجلس الأعيان العين الدكتور محمد المومني، إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية سيكون لها أثر إيجابي على سوريا واستقرارها وزيادة قدرتها المؤسسية للتعامل مع التحديات التي تواجهها.
وأضاف في حديث لـ"بترا"، أنه بالنسبة لنّا في الأردن، تربطنا 378 كيلومترا من الحدود مع سوريا، وبالتالي لنّا مصلحة في تمكينها من ضبط حدودها، والسيطرة على التهريب وخاصة المخدرات، وأن تكون الأجواء السياسية في سوريا مهيأة لعودة طوعية للاجئين.
وأشار المومني إلى أن كل تلك الأمور تشكل مصالح أردنية مهمة، "ما يجعل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية مصلحة عربية عليا"، مؤكدًا أنه لا بد من طي صفحة الماضي، وأن تعود سوريا لدورها الإقليمي المهم، وبما يُعزز الأمن والاستقرار في الإقليم.
وقال الوزير الأسبق سميح المعايطة إن تفكيك عقدة الأزمة السورية التي استمرت منذ 12 سنة بأبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هو الأهم بالنسبة للأردن، من خلال عودة سوريا للإطار العربي، لكن ذلك يحتاج أيضا إلى حل الأزمة السورية مع المجتمع الدولي الذي يتخذ مواقف متشددة بهذا الصدد، ولا سيما الدول الأوروبية والإدارة الأميركية، في العديد من المجالات، ومنها موضوع الحل السياسي.
وقال إن الأردن يعتقد بأن المسار الأسلم هو الذهاب في خطوات متدرجة تراعي كل قضايا حل الأزمة السورية خطوة خطوة بالتنسيق مع الدول العربية والتشاور وإقناع المجتمع الدولي، مشيرا إلى أهمية موضوع تهريب المخدرات الذي ناقشه اجتماع عمان التشاوري، وتشكيل لجنة سورية أردنية عراقية للبحث في هذا الموضوع الملح، لأن القضية أصبحت مقلقة للأردن، وتهدد أمنه الاجتماعي، وكذلك عودة اللاجئين، وهذه القضايا جميعها مهمة بالنسبة للأردن.
من جانبه، قال مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي، إن الاجتماع الوزاري التشاوري الخماسي يعد أول مبادرة عربية ريادية لحل الأزمة السورية بإشراك سوريا، وانطلقت بجهد عربي كان للأردن دور محوري في صياغة أركانها وبنودها وقواعدها، باتجاه عودة سوريا إلى الجامعة العربية والمشاركة في القمة العربية.
وأكد أن حل الأزمة السورية مصلحة أردينة رفيعة المستوى، ومصلحة عربية، لأن الحاجة لاستعادة سوريا أمر يحظى بإجماع عربي، ترجمه بيان عمان، وأجاب على كل الأسئلة والمخاوف التي تؤكد ضرورة عودة سوريا غلى الحضن العربي.
وانبثق عن اجتماع عمان التشاوري الذي انعقد بمشاركة وزراء خارجية سوريا فيصل المقداد، والعراق فؤاد حسين، ومصر سامح شكري، والسعودية الأمير فيصل بن فرحان، تشكيل فريق خبراء من جميع الدول المشاركة للبناء على ما أنجز، ولوضع خارطة طريق للتقدم باتجاه التوصل لحل سياسي للأزمة السورية.